كيف نساعد أطفالنا على تجربة أطعمة جديدة دون اللجوء إلى الإجبار والضغط
في بيئة المدرسة، يمر الأطفال بتجارب كثيرة تشكّل جزءًا من نموهم وتطورهم. ومن التجارب المهمة التي قد لا نلتفت لها كثيرًا هي تجربة الأطعمة الجديدة. فحين يجرّب الطفل طعامًا لم يألفه من قبل، فهو لا يكتسب نكهة جديدة فقط، بل يبني علاقة أوسع مع الطعام والصحة والفضول تجاه العالم من حوله.
[PubMed]
تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يحصرون خياراتهم الغذائية في أصناف محدودة قد يُحرمون من عناصر غذائية مهمة موجودة في الخضراوات والفواكه ومصادر البروتين المتنوعة.
كما أن تجربة الأطعمة الجديدة تعزّز لدى الطفل الانفتاح والمغامرة والمرونة، وهي صفات تمتدّ لتشمل جوانب أخرى من حياته داخل المدرسة وخارجها.
وتؤكد الدراسات أن السنوات الأولى من الطفولة، بما فيها المرحلة الابتدائية، هي الفترة التي تتشكّل فيها أنماط الأكل والعادات الغذائية التي ترافق الإنسان مدى الحياة.
رهاب الأطعمة الجديدة (Neophobia): ما سبب خوف ونفور بعض الأطفال في تجربة أطعمة جديدة؟
يمر العديد من الأطفال بمرحلة طبيعية يسمّيها الباحثون "رهاب الأطعمة الجديدة (Neophobia)". وهي حالة يشعر فيها الطفل بالتردد أو الرفض عند رؤية طعام غير مألوف. وقد وُجد أن الأطفال الأكثر ترددًا غالبًا ما تكون وجباتهم محدودة و يستهلكون كميات أقل من الخضروات والفواكه والبروتينات.
[SpringerLink]
هذا التقييد قد يؤدي لنقص عناصر غذائية مهمة
[MDPI]،
وقد يؤثر في عادات الطفل لاحقًا إن لم تتم معالجته مبكرًا. لذلك، فإن مساعدة الأطفال على تجاوز هذا التردد هو استثمار في صحتهم ونموهم على المدى البعيد.
[MDPI]
فوائد تجربة الأطعمة الجديدة على طلاب المرحلة الابتدائية
- تنويع العناصر الغذائية وتعزيز الصحة
عندما يجرّب الأطفال أطعمة متنوعة تتجاوز المألوف، من الطبيعي أن يتّسع نطاق العناصر الغذائية التي يحصلون عليها، مما يساعد على الحفاظ على دعم النمو الصحي، والمناعة، والتركيز، ومستويات الطاقة. في المقابل، قد يؤدي النظام الغذائي المحدود إلى نقص بعض هذه العناصر. لذلك، فإن تشجيع الأطفال على تجربة أطعمة جديدة، خاصة الصحية منها، يساعد على تلبية احتياجاتهم الغذائية خلال مراحل النمو.
[PubMed]
- الحد من الانتقائية في الأكل
التعريض المتكرر للأطعمة الجديدة يقلل من الرفض والانتقائية بمرور الوقت، ويزيد من تقبّل الطفل لأنواع جديدة من الطعام.
[Frontiers]
كما أظهرت برامج التذوّق نجاحها في مساعدة أطفال المدارس على تقليل الخوف من تجربة أطعمة جديدة، وزيادة رغبتهم في تذوّق أطعمة غير مألوفة. [PMC]
- تعزيز الفضول والوعي الحسي
الأطعمة الجديدة تساعد الطفل على استخدام حواسه واستكشاف القوام والروائح والألوان، مما يعزز الوعي الحسي ويشجع على الأكل الواعي والمستكشف. [MDPI]
- فوائد اجتماعية وتعليمية
مشاهدة الطفل لأقرانه أو معلميه وهم يتناولون الطعام نفسه يزيد من احتمالية تجربته، مما يجعل التجربة جماعية ومشجعة. [PubMed]
- تأسيس عادات صحية تستمر مدى الحياة
كلما تنوعت عادات الطفل الغذائية مبكرًا، أصبح أكثر تقبلاً للأطعمة الصحية مستقبلًا، وتكوّنت لديه علاقة إيجابية مع الطعام تمتد معه إلى مرحلة البلوغ.
[Frontiers]
طرق عملية تشجع الأطفال على تجربة أطعمة جديدة
- إشراك الأطفال في التسوق وإعداد الطعام
يساعد إشراك الأطفال في التسوق للطعام أو تحضير الوجبات على تعزيز شعورهم بالمسؤولية والفضول تجاه ما يأكلونه. وقد أظهرت دراسات أن الأطفال الذين يشاركون في اختيار مكونات أطباق غير مألوفة يكونون أكثر استعدادًا لتذوّقها. [PubMed]
امنح الأطفال فرصة اختيار بعض المكونات — ويفضّل من مطبخ جديد عليهم — وشاركوهم إعداد أطباق بسيطة معًا. هذا التفاعل العملي يجعل التجربة ممتعة وأقل رهبة.
- الاعتماد على التعرّض المتكرر والتشجيع اللطيف بدلًا من الضغط
قد يحتاج الطفل إلى تكرار التعرّض لأطعمة جديدة عدة مرات قبل تقبّلها. غالبًا ما يؤدي الضغط أو التوبيخ إلى نتائج عكسية، ويزيد من الرفض والتوتر. بدلًا من ذلك، قدّم كميات صغيرة، وادمج الطعام الجديد مع أطعمة مألوفة، وامنح الطفل الوقت مع الهدوء والاستمرار. ومع جعل أوقات الوجبات مريحة وخالية من الضغط، يؤدي التعرّض المتكرر غالبًا إلى التقبّل.
[PMC]
- جلسات تذوق تعتمد على الحواس
يمكن للمدارس أو العائلات تنظيم جلسات تذوّق بسيطة، يتعرّف فيها الأطفال على أطعمة مختلفة من خلال الشمّ واللمس والمشاهدة قبل التذوّق. يساعد ذلك على إزالة رهبة الأطعمة غير المألوفة وبناء الثقة لدى الأطفال. كما تشير الدراسات إلى أن هذا النوع من التعلّم الحسي يساهم في تقليل الخوف من تجربة أطعمة جديدة لدى طلاب المدارس. [MDPI]
إن تشجيع الاستكشاف الحسي المتعدد — مثل شمّ التوابل، لمس الخضروات، وملاحظة ألوانها — يجعل التجربة الأولى أقل توترًا وأسهل تقبّلًا.
- التأثر بالآخرين: مشاركة الوجبات مع الأصدقاء والعائلة
يكون الأطفال أكثر استعدادًا لتجربة الطعام عندما يرون أقرانهم أو إخوتهم أو الكبار من حولهم يتناولون الطعام نفسه، وهو ما يُعرف بالتعلّم الإيجابي من الآخرين. وتُظهر الدراسات أن الأطفال يكونون أكثر تقبّلًا للأطعمة الجديدة عندما يرون شخصًا آخر يتذوّقها في الوقت نفسه. [PubMed]
وتُعدّ الوجبات العائلية، والغداء المشترك، أو الأكل الجماعي في المدرسة فرصًا ممتازة لذلك. تناولوا الطعام معًا، وجرّبوا أطباقًا جديدة، واحتفوا بروح الفضول والاكتشاف.
- إدخال كميات صغيرة من الأطعمة الجديدة ضمن أطباق مألوفة
من الطرق الفعّالة دمج مكوّنات جديدة مع أطعمة يحبّها الطفل، مثل إضافة خضار غير مألوفة إلى طبق مكرونة مفضّل، أو خلط فاكهة جديدة في عصير. يساعد هذا الأسلوب على تقليل الشعور بالغربة تجاه الطعام الجديد، ويُسهّل تقبّله تدريجيًا. وتشير الدراسات إلى أن الجمع بين النكهات المألوفة والجديدة يشجّع على التقبّل مع مرور الوقت.
[Frontiers]
التعامل مع التحديات والصعوبات
تجربة أطعمة جديدة ليست دائمًا سهلة للأطفال (أو للأهل). من الطبيعي أن يتردد الطفل في البداية، فالحذر من الطعام غير المألوف سلوك شائع ومفهوم في مراحل النمو. [SpringerLink]
كما أن عوامل مثل تأثير الأصدقاء، عادات الأسرة، الثقافة الغذائية، أو محدودية التعرّض لأطعمة متنوعة قد تجعل الأمر أكثر صعوبة. فعندما لا يرى الطفل من حوله يجرب أطعمة جديدة، تقل فرص حماسه أو استعداده للتجربة. [MDPI]
ومن المهم إدراك أن التقبّل يحتاج إلى وقت؛ فقد يتطلب الأمر تكرار المحاولة عدة مرات قبل أن يشعر الطفل بالراحة. وتشير التجارب التربوية إلى أن الاستمرار والصبر أكثر فاعلية من الضغط أو الإلحاح. [PMC]
وأخيرًا، أثناء تشجيع الأطفال على الاستكشاف، يجب الحفاظ على التوازن الغذائي، والتركيز على أطعمة مفيدة ومغذية، وليس فقط أطعمة جديدة لكنها قليلة القيمة الغذائية.
دور المدارس في تعزيز التنوع الغذائي
تلعب المدارس الابتدائية دورًا محوريًا في تشجيع الأطفال على تقبّل الأطعمة المتنوعة. فبرامج التغذية والتعلّم الحسي المصمَّمة بعناية تساعد على جعل تجربة الطعام الصحي الجديد أمرًا طبيعيًا ومألوفًا، خاصة وأن المدرسة تصل إلى الأطفال في مراحل عمرية مبكرة ومؤثرة. [SpringerLink]
ومن خلال إدخال أطعمة متنوعة ضمن الوجبات المدرسية، وتنظيم أنشطة الطهي أو جلسات استكشاف التذوّق، وإشراك الأطفال في اختيار الطعام، تساعد المدارس على تنمية الفضول وبناء عادات غذائية إيجابية منذ الصغر. كما يصبح تأثير الأقران عنصرًا داعمًا عندما يجلس الطلاب معًا ويستكشفون أطباقًا جديدة.
كما ترسل المدارس رسالة مهمة مفادها أن الأكل الصحي تجربة ممتعة واجتماعية ومليئة بالاكتشاف، وليس مهمة مفروضة. ومع الوقت، يمكن أن ينعكس ذلك إيجابًا على نظرة المجتمع لتنوّع الطعام.
فوائد طويلة المدى: الصحة، الفضول، والثقة في الطعام
قد يبدو تشجيع الأطفال على تجربة أطعمة غير مألوفة خطوة بسيطة، لكن أثرها قد يمتد لسنوات طويلة. مع الوقت، يصبح الأطفال أكثر تقبّلًا لتنوّع صحي من الأطعمة، ويحافظون على نظام غذائي متوازن، ويقلّ لديهم خطر نقص العناصر الغذائية.
كما ينمو لديهم الفضول والثقة في تجربة أطعمة ومطابخ مختلفة، مما يساعدهم على تقبّل ثقافات جديدة والانفتاح على التجربة. ولا يقتصر هذا الأثر على الطعام فقط، بل يعزّز لديهم المرونة والانفتاح والثقة بالنفس بشكل عام.
ومع انتقال الأطفال إلى مرحلة البلوغ، تسهم هذه العادات في دعم الصحة الجسدية والنفسية، وتقليل مخاطر الأمراض المزمنة، وبناء علاقة إيجابية وممتعة مع الطعام.
باختصار: ما يبدأ كتجربة صغيرة على مائدة المدرسة أو في المنزل، يمكن أن يتحول إلى أساس للصحة والفضول والاستمتاع بالطعام مدى الحياة.
خلاصة القول
تشجيع أطفال المرحلة الابتدائية على تجربة أطعمة جديدة يحقق بناء عادات غذائية صحية تدوم مدى الحياة، إضافةً إلى تقدير أوسع لتنوّع الطعام والثقافات.
ورغم أن الخوف من الطعام الغير مألوف أمر شائع وطبيعي لدى الأطفال، وغالبًا ما يرتبط بغريزة وقائية، تشير الدراسات إلى أن التعرّض المتكرر، والتعلّم الحسي، والتشجيع اللطيف، والتعلّم من الآخرين تساعد تدريجيًا على تجاوز هذا التردّد. وهنا يأتي دور المدارس والعائلات في توفير بيئة غذائية داعمة، هادئة، وخالية من الضغط.
ومن خلال تبنّي تنوّع الطعام في سن مبكر، نساعد الأطفال على تكوين عادات غذائية مرنة وصحية، وتنمية الفضول والثقة، ووضع أساس لعلاقة إيجابية وممتعة مع الطعام طوال حياتهم.











